الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.ولاية المهلب حرب الأزارقة. ولما عزل الملك بن خالد بن عبد الله عن البصرة واستعمل مكانه أخاه بشر بن مروان وجمع له المصرين أمره أن يبعث المهلب إلى حرب الأزارقة فيمن ينتخبه من أهل البصرة ويترك وراءه في الحرب وأن يبعث من أهل الكوفة رجلا شريفا معروفا بالبأس والنجدة في جيش كثيف إلى المهلب فيتبعوا الخوارج حتى يهلكوهم فأرسل المهلب جديع بن سعيد بن قبيصة ينتخب الناس من الديوان وشق على بشر أن امرأة المهلب جاءت من عند عبد الملك فغص به ودعا عبد الرحمن بن مخنف فأعلمه منزلته عنده وقال: إني أوليك جيش الكوفة بحرب الأزارقة فكن عند حسن ظني بك أخذ يغريه بالمهلب وأن لا يقبل رأيه ولا مشورته فأظهر له الوفاق وسار إلى المهلب فنزلوا رامهرمز ولقي بها الخوارج فحدق عليه على ميل من المهلب حيث يتراءى العسكران ثم أتاهم نعي بشر بن مروان لعشر ليال من مقدمهم وأنه استخلف على البصرة خالد بن عبد الله بن خالد فافترق الناس من أهل المصرين إلى بلادهم ونزلوا الأهواز وكتب إليهم خالد بن عبد الله يتهددهم ويحذرهم عقوبة عبد الملك إن لم يرجعوا إلى المهلب فلم يلتفتوا إليه ومضوا إلى الكوفة واستأذنوا عمر بن حريث في الدخول ولم يأذن لهم فدخلوا وأضربوا عن إذنه..ولاية أسد بن عبد الله على خراسان. ولما ولي بكير بن وشاح على خراسان اختلف عليه بطون تميم وأقاموا في العصبية له وعليه سنتين وخاف أهل خراسان أن تفسد البلاد ويقهرهم العدو فكتبوا إلى عبد الملك بذلك وأنها لا تصلح إلا على رجل من قريش واستشار أصحابه فقال له أمية بن عبيد الله بن خالد بن أسيد: نزكيهم برجل منك فقال: لولا انهزامك عن أبي فديك كنت لها فاعتذر وحلف أن الناس خذلوه ولم يجد مقاتلا فانحزت بالعصبة التي بقيت من المسلمين عن الهلكة وقد كتب إليك خالد بن عبد الله بعذري وقد علمه الناس فولاه خراسان ولما سمع بكير بن شاح بمسيره بعث إلى بجير بن ورقاء وهو حبسه كما مر فأبى وأشار عليه بعض أصحابه أن يقبل مخافة القتل فقبل وصالح بكير أو بعث إليه بكير بأربعين ألفا على أن لا يقاتله فلما قارب أمية نيسابور إليه بجير وعرفه عن أمور خراسان وما يحسن به طاعة أهلها وحذره غدر بكير وجاء معه إلى مرو فلم يعرض أمية لبكير ولا لعماله وعرض عليه شرطته فأبى وقال: لا أحمل الجزية اليوم وقد كانت تحمل إلي بالأمس وأراد أن يوليه بعض النواحي من خراسان فحذره بجير منه ثم ولى أمية ابنه عبد الله على سجستان فنزل بستا وغزا رتبيل الذي ملك على الترك بعد المقتول الأول وكان هائبا للمسلمين فراسلهم في الصلح وبعث ألف ألف وبعث بهدايا ورقيق فأبى عبد الله من قبولها وطلب الزيادة فجلا رتبيل عن البلاد حتى أوغل فيها عبد الله ثم عليه الشعاب والمضايق حتى سأل منه الصلح وأن يخلي عينه عن المسلمين فشرط رتيبل عليه ثلثمائة ألف درهم والعهد بأن لا يغزو بلادهم فأعطاه ذلك وبلغ الخبر بذلك عبد الملك فعزله..ولاية الحجاج العراق. ثم ولى عبد الملك الحجاج بن يوسف على الكوفة والبصرة سنة خمسة وسبعين وأرسل إليه وهو بالمدينة يأمره بالمسير إلى العراق فسار على النجب في إثني عشر راكبا حتى قدم الكوفة في شهر رمضان وقد كان بشر بعث المهلب إلى الخوارج فدخل المسجد وصعد المنبر وقال: علي بالناس فظنوه من بعض الخوارج فهموا به حتى تناول عمير بن ضابي البرجمي الحصباء وأراد أن يحصبه فلما تكلم جعل الحصباء يسقط من يديه وهو لا يشعر به ثم حضر الناس فكشف الحجاج عن وجهه وخطب خطبته المعروفة ذكرها الناس وأحسن من أوردها المبرد في الكامل يتهدد فيها أهل الكوفة ويتوعدهم عن التخلف عن المهلب ثم نزل وحضر الناس عنده للعطاء واللحاق بالمهلب فقام إليه عمير ابن ضابي وقال: أنا شيخ كبير عليل وابني هذا أشد مني فقال: هذا خير لنا منك قال: ومن أنت؟ قال عمير بن ضابي قال: الذي غزا عثمان في داره؟ قال: نعم فقال: يا عدوا الله إلى عثمان بدلا قال: إنه حبس أبي وكان شيخا كبيرا فقال: إني لا أحب حياتك إن في قتلك صلاح المصرين وأمر به فقتل ونهب ماله وقيل إن عنبسه بن سعيد بن العاص هو الذي أغرى به الحجاج حين دخل عليه ثم أمر الحجاج مناديه فنادى ألا إن ضابي تخلف بعد النداء فأمرنا بقتله وذمة الله بريئة ممن بات الليلة من جند المهلب فتساءل الناس إلى المهلب وهو بدار هرمز وجاءه العرفاء فأخذوا كتبه بموافاة العسكر ثم بعث الحجاج على البصرة الحكم بن أيوب الثقفي وأمره أن يشتد على خالد بن عبد الله وبلغه الخبر فقسم في أهل البصرة ألف ألف وخرج عنها ويقال إن الحجاج أول من عاقب على التخلف عن البعوث بالقتل قال الشعبي: كان الرجل إذا أخل بوجهه الذي يكتب إليه زمن عمر وعثمان وعلي تنزع عمامته ويقام بين الناس فلما ولي مصعب أضاف إليه حلق الرؤس واللحى فلما ولي بشر أضاف إليه تعليق الرجل بمسمارين في يده في حائط فيخرق المسماران يده وربما مات فلما جاء الحجاج ترك ذلك كله وجعل عقوبة من تخلى بمكانه من الثغر أو البعث القتل ثم ولى الحجاج على السند سعيد بن أسلم بن زرعة فخرج عليه معاوية ابن الحرث الكلابي العلاقي وأخوه فغلباه على البلاد وقتلاه فأرسل الحجاج مجاعة ابن سعيد التميمي مكانه فغلب وغزا وفتح فتوحات بمكران لسنة من ولايته.
|